غزة- جريمة إنسانية مكتملة الأركان وإبادة شعب تحت الحصار والمجاعة

المؤلف: حمود أبو طالب08.26.2025
غزة- جريمة إنسانية مكتملة الأركان وإبادة شعب تحت الحصار والمجاعة

إن الأحداث المأساوية التي تتكشف في غزة تمثل بحق جريمة إنسانية مكتملة الأبعاد وغير مسبوقة في تاريخنا المعاصر. في عالم يفترض به أن يمتلك قوانين راسخة تحمي المدنيين الأبرياء، نشهد ألوانًا من القهر والظلم تصل إلى حد حرمانهم من أبسط مقومات البقاء، كالطعام والماء والدواء. يراقب العالم بأسره، منذ أمد بعيد، الممارسات الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد أهل غزة المشردين، ولكن من المؤسف حقًا أن ما يحدث لا يبدو كافيًا لإحياء الضمائر الميتة، ممَّا يشكل تواطؤًا سافرًا مع آلة عسكرية غاشمة تديرها عصابة مجرمة تمارس أبشع صور التنكيل بحرية مطلقة. المجاعة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، قد بلغت ذروتها في غزة، وذلك بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه جيش الاحتلال، والذي يمنع وصول الغذاء إلى الجميع دون استثناء. بل إنهم يطلقون الرصاص الحي على المدنيين العزل الذين يتدافعون يائسين للحصول على جرعة ماء أو كسرة خبز يابسة. تتزايد أعداد القتلى من الجوعى يومًا بعد يوم، ومن لم يمت بالرصاص خلال التدافع من أجل لقمة العيش، يلقى حتفه في العراء جوعًا وعطشًا. تؤكد المصادر الطبية المتبقية في المستشفيات العاملة في غزة أن أعداد ضحايا المجاعة تتزايد بوتيرة لا يمكن تصورها، بينما تحذر المنظمات الإغاثية منذ فترة طويلة من كارثة المجاعة الوشيكة بسبب تعنت الجيش الإسرائيلي ومنعه وصول المساعدات الإنسانية. وقد أكدت منظمة الصحة العالمية قبل أيام أن الجيش الإسرائيلي اقتحم مرارًا وتكرارًا مستودعها الرئيسي واحتجز موظفيها بهدف منع وصول الغذاء والدواء إلى المنكوبين. كل هذه الفظائع تحدث بينما ينصب التركيز على مفاوضات الهدنة المتعثرة والجدل السياسي العقيم والمماحكات اللامتناهية للطرف الإسرائيلي. فأي هدنة هذه التي يتفاوضون عليها بينما الشعب المعني بها يفنى تدريجيًا بالرصاص والتجويع؟ ومتى كانت الهياكل العظمية الجائعة تشكل تهديدًا حقيقيًا لجنود مدججين بأحدث الأسلحة الفتاكة، حتى تستمر هذه الإبادة الجماعية لشعب أعزل يموت أطفاله وشيوخه بسبب حصار تجويعي مصحوب بوابل من الرصاص. إن مفاوضات الهدنة، التي لم تثمر بعد، لا ترقى إلى مستوى اتفاق لوقف إطلاق النار وإرساء دعائم السلام الدائم. هذا ما تسعى إليه إسرائيل، وهو الاستمرار في إبادة شعب غزة، وربط وقف الإبادة بأي مسار سياسي يعتبر جريمة في حد ذاته، يتحمل وزرها، بالإضافة إلى إسرائيل، جميع الرعاة الدوليين الذين يشاهدون تقارير الموت بأبشع صوره القادمة من غزة كل يوم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة